فلسطين أون لاين

"المعايير مكتملة".. كيف يمكن الاستفادة من تقرير علماء الإبادة الجماعية؟

...
"المعايير مكتملة".. كيف يمكن الاستفادة من تقرير علماء الإبادة الجماعية؟
رام الله – غزة/ محمد عيد

القتل والقصف والدمار، والتجويع، وتدمير البنية التحتية، وقطع إمدادات الماء والكهرباء والوقود، والأذى النفسي والجسدي، وتدمير المنظومة الصحية ومنع إمدادات الدواء والمستلزمات الطبية .. أسلحة علنية وأخرى خفية استخدمتها (إسرائيل) في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى اللحظة.

وفي محاولة دولية لوقف هذه الحرب ضد 2.3 مليون نسمة في غزة؛ أصدرت مؤسسات أممية وحقوقية وصحية وشخصيات عالمية بارزة سلسلة تقارير حقوقية تكشف عن إبادة جماعية حاصلة في القطاع منذ نحو عامين. 

وعمليا، تقدمت حكومة جنوب أفريقيا برفع دعوى قانونية في محكمة العدل الدولية بتاريخ 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 ضد (إسرائيل) تتهمها فيها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة، وسارع آنذاك رئيس وزراء الاحتلال المطلوب للجنائية الدولية بنيامين نتنياهو لوصف تلك الدعوى التي انضمت إليها عددا من الدول، بـ"السخيفة" واعتبرها "افتراء".

ولم تقف تلك المحاولة الدولية لوقف هذه الإبادة؛ بل تواصلت تلك التقارير للكشف عن الأحوال الإنسانية التي آلت إليها غزة حتى أعلنت الأمم المتحدة وخبراء دوليون رسميا للمرة الأولى، أغسطس/ آب الماضي عن تفشي المجاعة على نطاق واسع في القطاع وهي المرة الأولى التي تعلن فيها المجاعة بمنطقة الشرق الأوسط.

وفي هذا الإطار، جاء التقرير الأخير الصادر عن (الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية) -  (IAGS)، مطلع سبتمبر/ أيلول الحالي حينما أعلنت: أن سياسات (إسرائيل) وأفعالها في غزة تستوفي التعريف القانوني للإبادة الجماعية المنصوص عليه في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948.

ويدعو القرار المكون من ثلاث صفحات (إسرائيل) بالوقف الفوري لجميع الأعمال التي تشكل إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك الهجمات المتعمدة ضد المدنيين وقتلهم بمن فيهم الأطفال؛ التجويع؛ الحرمان من المساعدات الإنسانية والمياه والوقود وغيرها من المواد الأساسية لبقاء السكان؛ والعنف الجنسي والإنجابي؛ والتشريد القسري للسكان.

قانونية وليست إنسانية

وباستشارة أستاذ القانون الدولي د. محمد الشلالدة فإن قرار (IAGS) لا يعد تقريرا إنسانيا أو إعلاميا بل عبارة عن موقفا قانونيا مدعما بمختلف الأدلة والإجراءات القانونية.

وأكد الشلالدة في حديثه لـ "فلسطين أون لاين" أن (إسرائيل) القوة القائمة بالاحتلال في غزة لا تزال تواصل ارتكاب عدة جرائم: جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، جريمة الإبادة الجماعية، جريمة التجويع، مستدلا بالتقارير الحقوقية والأممية اليومية.

وقال: (إسرائيل) حاليا متهمة بارتكاب تلك الجرائم في الدعوى التي رفعتها حكومة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، مشيرا إلى أن الأخيرة اتخذت إجراءات احترازية لمنع استمرار الإبادة الجماعية لكن المتهم لا يزال "هاربا من العدالة".

ورأى أن الدعم الأمريكي و"الفيتو" الأمريكي في مجلس الأمن الدولي هو ما يمنح (إسرائيل) الحصانة لارتكاب المزيد من الجرائم في العصر الحديث.

وأضاف: الركن المادي والمعنوي (القصد الخاص) وجميع الدلائل تثبت أن (إسرائيل) ترتكب إبادة جماعية، مشددا على أن المطلوب هو توظيف واستثمار هذه التقارير فلسطينيا في تحميل (السلطة القائمة بالاحتلال) المسؤولية القانونية الدولية، والمسؤولية الجنائية الفردية في إطار القانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

ويشكل قرار (الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية) التي تأسست عام 1994 وتمثل أعلى سلطة أكاديمية مستقلة في مجال دراسات الإبادة الجماعية، إضفاء للشرعية الأكاديمية والدولية والأخلاقية في الاتهامات المتتالية لدولة الاحتلال.

ولا يعد القرار الجديد للجمعية الدولية الأول من نوعه بل سبق وأن أدانت عبر تاريخها إبادة رواندا (1994)، إبادة البوسنة (1995)، وهنا اقترح الشلالدة تدعيم هذه التقارير الأممية والدولية الرسمية في الدعوى القانونية التي رفعتها محكمة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل "التي ستحاكم أفرادا في ارتكاب جرائم الحرب".

وإلى جانب ذلك، يمكن الاستفادة من هذه التقارير في ملاحقة قادة الحرب الإسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية والعديد من الدول الأوروبية التي تنص قوانينها على ذلك. بحسب وزير العدل السابق.

معايير الإبادة

وفقا للمادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (1948)، تعرف الإبادة الجماعية بأنها: "أي فعل يُرتكب بقصد تدمير، كليًا أو جزئيًا، جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، وذلك من خلال:  قتل أعضاء الجماعة،  إلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بأعضاء الجماعة،  إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا، فرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل الجماعة. نقل أطفال الجماعة قسرًا إلى جماعة أخرى.

وتعليقا على ذلك، قال نائب رئيس جمعية علماء الإبادة الجماعية د. تيموثي ويليامز: إن ما يحدث في غزة يستوفى جميع معايير الإبادة بشكل واضح للمعايير القانونية الدولية لتعريف الإبادة الجماعية، وذلك استنادا إلى الأدلة الميدانية والوقائع التي وثقتها مؤسسات مستقلة.

وأوضح ويليامز في تصريحات تلفزيونية أن غزة تشهد "إبادة جماعية مكتملة الأركان" بناء على النية المتعمدة لتدمير جماعة قومية بعينها، وهو أحد الأركان القانونية الأساسية لاتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.

وتحدث عن أعداد ضحايا الإبادة والجرحى، وضحايا العنف الجسدي والنفسي وتدمير شبه كامل للبنية التحتية، بما في ذلك النظام الصحي والتعليمي والاقتصادي.

وأشار ويليامز إلى مخططات التهجير القسري التي تحدث في غزة بدعم من الإدارة الأمريكية دليل على حجم الإبادة الجماعية.

ورغم أن الجمعية لا تملك صلاحيات سياسية أو قضائية، أشار ويليامز إلى أن دورها "أكاديمي وتحليلي" يهدف إلى تقديم تقييم علمي ومحايد يمكن أن يشكل أداة ضغط أخلاقي وسياسي على الحكومات والمنظمات الدولية.

وختم ويليامز: "لا يمكننا وقف الإبادة أو معاقبة مرتكبيها بشكل مباشر، فهذا دور محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، لكن إعلاننا هذا يمكن أن يُستخدم للضغط السياسي على (إسرائيل)، ودفع الحكومات الغربية لاتخاذ مواقف أكثر جرأة".

وحصدت الإبادة الإسرائيلية الجماعية على غزة حتى اللحظة أرواح 63,633 مواطنا أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وجرح أكثر من 160,914، في حين لا يزال عدد من المفقودين تحت الأنقاض، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.

المصدر / فلسطين أون لاين